لم يؤكد أحد الخبر، كما لم ينفه أحد. الكل يعلم، ولا يجمع بالتأكيد، الدور الكياني والاستقلالي والسيادي والوطني للبطريركية المارونية التي درج القول على أنّ مجد لبنان اعطي لسيدها. وقد لعب بطاركة موارنة، ويمكن القول معظم البطاركة، دوراً اساسياً في المحافظة على لبنان كيانا وهوية. لكن ذلك لا يجيز في أي حال، أن تسقط البطريركية من موقعها الوطني الى الحضيض السياسي فتتحول الى تقاسم الحصص وتبادل الخدمات وتفضيل احد على الاخر من ابنائها، وذلك في اطار سعي البطريرك بشارة بطرس #الراعي الى تقريب وجهات النظر وتسهيل ولادة #الحكومة، خوفاً وتخوفاً من انهيار البلد الذي بذلت من أجله التضحيات واهرقت الدماء واسست فيه الكنيسة استثمارات واسعة في الانسان والمؤسسات وبات الحصن الاخير لمسيحيي الشرق، وبؤرة التفاعل والتعايش ما بين الديانات.
فقد نشر احد المواقع عن توزيع الوزراء وفق صيغة حكومية من 24 وزيرا، وعلم "ان الاقتراح الذي يتم درسه بعيدا عن الاضواء هو ان يكون الوزير الذي سيسميه البطريرك هو وزير الداخلية بموافقة الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري، وذلك كحل وسط لتمسك رئيس الجمهورية بحقيبة الداخلية وتمسك الحريري بان يسمي هو الوزير بالاتفاق مع عون، اي ان لا يكون محسوبا على رئيس الجمهورية".
وفي المعلومات أيضاً أنّ للبطريرك مرشحين لوزارة الداخلية اذا تم الاتفاق على الامر، الاول مدني والثاني عسكري متقاعد، لكن الامر لم يحسم بعد في انتظار موافقة الحريري على صيغة الـ 24 واعلان بعبدا رسميا عدم ممانعتها باعتماد صيغة 24 وفق اسس واضحة".
هذه المعلومات – الافتراضية حتى الساعة تدفع الى مجموعة تساؤلات وتقود الى استنتاجات (افتراضية ايضاً).
- اول الاسئلة عن تحول البطريركية المارونية من شريك الى شريك مضارب، واسقاطها من رعاية الحوار الى تقاسم الحصص.
- ثانيها اذا كان يحق للبطريركية المارونية بوزير فلماذا تحرم من "نعيم التوزير" الطوائف الاخرى خصوصا تلك المنقوصة التمثيل، مثل الارثوذكس والكاثوليك والانجيليون،والتي تصادر قرارها احزاب يرأسها موارنة.
- ان اعطاء رؤساء الطوائف حق تسمية وزراء يحول مجلس الوزراء الى مجلس للشيوخ، ويمنع عنه التقدم في معظم المجالات اذ بدل ان يراجع الوزراء رؤساء الاحزاب يتحولون الى رجال الدين الذين يعوقون تطوير النظام وعلمنته بشكل كبير.
- ان ادخال رؤساء الطوائف في لعبة المحاصصة يزيد الانقسامات والصراعات بين "المستوزرين" ويدفع "قليلي الحظ" الى فتح جبهات جديدة مع رؤسائهم الروحيين، كما يدفع الى نشوب خلافات ذات طابع طائفي مذهبي وصراع على الحقائب.
- ان حلول رؤساء الطوائف محل الاحزاب السياسية يوقد خلافات إضافية أيضاً في داخل كل طائفة، ما بين القيادتين السياسية والدينية، ويدفع الى مواجهات قد تصب في مصلحة رجال الدين لانهم يستقوون بالله على ضعفاء النفوس.
- ان غرق رؤساء الطوائف في الحياة السياسية اكثر مما هو قائم حاليا، يظهر فساد عدد كبير من هؤلاء، وهو الفساد المستور غالبا في الوقت الحالي، لان العمل السياسي المصلحي النفعي يسقط كل المحرمات.
أمام كل هذه الخلاصات، يصبح الكلام عن وزير للبطريرك بدعة جديدة غير مستغربة في خضم البدع الدستورية والقانونية، وتجاوز الاصول، ونسف كل محاولات اصلاح النظام لأنّه بهذه الخيارات يعيدنا مئة سنة الى الوراء في ذكرى مئوية اعلان دولة لبنان الكبير.
غسان حجار - النهار
|