الدولة أولاً... ولا قوة فوق القانون
|
|
محلي
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
190 views
|
|
|
aliwaa
|
Source:
|
-
|
|
|
+
|
|
|
أعاد ما جرى في منطقة الروشة الخميس الماضي إلى الأذهان المخاوف العميقة من أن يبقى لبنان ساحة لصراع المعادلات المتناقضة بين الدولة و"الدويلة" وخلفياتها الإقليمية والدولية. فالمشهد الذي بدا وكأن حزب الله يتصرّف خارج الأطر القانونية، أثار قلق اللبنانيين الذين يدركون أن أي تجاوز لمفهوم الدولة الواحدة القادرة، يفتح الباب مجدداً أمام حساسيات داخلية تقود إلى عواقب وخيمة، في وقت يشتد فيه التصعيد الإسرائيلي وترتفع احتمالات اندلاع حرب جديدة.
إنّ الخطر الأكبر الذي يواجه لبنان اليوم ليس فقط في الاعتداءات الإسرائيلية، ولا في التهديدات المتكررة التي تستهدف الحزب وبيئته، بل أيضاً في هشاشة الجبهة الداخلية وانقسامها حول مرجعية الدولة ودورها. ففي لحظة مفصلية كهذه، يصبح التماسك الداخلي شرطاً أساسياً للثبات في مواجهة أي عدوان، ويصبح الحفاظ على الدولة ومؤسساتها أولوية وطنية لا يعلو فوقها أي اعتبار آخر.
من هذا المنطلق، يكتسب موقف رئيس الحكومة بعد أحداث الروشة أهمية مضاعفة، إذ شدّد على أن لا أحد فوق القانون، وأن الحفاظ على النظام العام هو الضمانة الوحيدة لمنع الفتنة الداخلية. فاللبنانيون، مهما تباينت انتماءاتهم، يلتقون عند حقيقة أن الدولة هي الملاذ الأخير، وأن سقوط هيبتها يفتح أبواب الفوضى.
وموقف الرئيس نواف سلام لم يقتصر على الدفاع عن دولة القانون في الداخل وحسب، بل أراد حماية رصيد الثقة المتنامي بقدرات الدولة اللبنانية عربياً ودولياً، خاصة بعد إتخاذ الحكومة قرار تنفيذ حصرية السلاح. كما أراد رئيس الحكومة في الوقت نفسه، الحفاظ على الإندفاعة العربية والدولية، خاصة السعودية والفرنسية، لتنظيم مؤتمر دولي مخصَّص لدعم الجيش اللبناني، وتوفير الإمكانيات البشرية واللوجستية لتمكينه من القيام بمهامه الوطنية، وتنفيذ القرار ١٧٠١.
ومن المحزن فعلاً، أن هذه الأحداث وقعت في بيروت في وقت كان رئيس الجمهورية جوزاف عون يكابد الإهمال الدولي للوضع اللبناني، حيث إنشغل معظم رؤساء الوفود بمؤتمر الإعتراف بالدولة الفلسطينية، والذين إنصرفوا قبل أن يسمعوا كلمة واحدة عن الملف اللبناني.
إن الدور المحوري لحزب الله، ليس بصفته طرفاً سياسياً أو قوة عسكرية فقط، بل باعتباره مكوِّناً أساسياً في المعادلة الوطنية، وواجبه تجاه الداخل اللبناني يفرض عليه أن يكون تحت سقف القانون، وأن يسهّل عمل مؤسسات الدولة بدل أن يضعها أمام "الأمر الواقع". فالانتصار على إسرائيل لا يُقاس فقط بعدد الصواريخ أو العمليات الميدانية، بل أيضاً بمدى صلابة الجبهة الداخلية، وقدرة اللبنانيين على الصمود متّحدين خلف دولتهم.
إنّ مشهد «الدويلة" التي تطغى على "الدولة" لا يخدم الحزب نفسه، لأنه يعمّق الانقسامات، ويُضعف صورة لبنان في الخارج، ويمنح خصوم الحزب ذرائع إضافية للتشكيك بأهدافه ودوره في محور "الممانعة". أما التزامه بالقانون والنظام العام، فيحوّله من عبء داخلي إلى رصيد وطني جامع، ويعزّز شرعيته كجزء من منظومة سياسية تعمل تحت راية الدولة.
كما أن الترويج الأميركي المتكرِّر في تصريحات برّاك وعدد من المسؤولين في واشنطن، بأن الحزب أعاد تسليح وتنظيم كوادره العسكرية، بالتزامن مع إستعراضات "فائض القوة" في بيروت، من شأنه أن يخدم المزاعم العدوانية الإسرائيلية لتبرير حرب جديدة ضد لبنان.
لا يمكن للبنان أن يواجه احتمال الحرب المقبلة وهو ممزَّق داخلياً. فإذا كانت إسرائيل تراهن على ضرب الوحدة اللبنانية واستثمار الانقسامات لزعزعة الاستقرار، فإن الردّ الطبيعي يكون بتوحيد البيت الداخلي خلف مؤسسات الدولة. وهذا لا يتحقق إلا عبر التزام جميع القوى، وفي مقدّمها حزب الله، بقواعد الدولة الدستورية والمرجعية الحصرية للقانون.
إنّ دعم اللبنانيين لجهود رئيس الحكومة في الدفاع عن دولة القانون، لا يعني الاصطفاف في مواجهة أي فريق داخلي، بل يعني ببساطة إعادة الاعتبار للمرجعية الوطنية التي لا بديل عنها. فحين يقف الجميع تحت سقف الدولة، يتحوّل لبنان من ساحة صراعات داخلية وخارجية، إلى جبهة متماسكة في وجه العدوان الخارجي. أما استمرار الخروج على القانون واللجوء إلى استعراضات فئوية وشعبوية، فلن ينتج سوى الفوضى ويجرّ البلد إلى منزلقات لا يريدها أحد.
الرهان اليوم على وعي اللبنانيين، وعلى إدراك حزب الله خصوصاً أنّ قوته لا تُقاس بقدرته على فرض "الأمر الواقع" ضد هيبة الدولة، بل بقدرته على التلاقي مع بقية المكوِّنات تحت مظلة الدولة. فالدولة وحدها هي التي تؤمّن الشرعية والغطاء، وهي التي تحمي الجميع من فتنة الداخل وعدوان الخارج في آن واحد.
إن الرسالة التي يجب أن تخرج من أحداث الروشة واضحة وبسيطة: لا خلاص للبنان إلا بالدولة، ولا قوة تعلو فوق قوة القانون. وفي زمن التهديدات الإسرائيلية المتعاظمة، لا خيار أمام اللبنانيين سوى التمسك بدولتهم كملاذ أخير، وضمانة أكيدة لوحدتهم وصمودهم.
صلاح سلام - اللواء
|
|
|
|
|
يلفت موقع "اخر الاخبار" انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره
|
|
|