التداول بين الوهم والواقع: هل حان وقت الثورة؟

محلي
27-9-2025 |  09:41 AM
التداول بين الوهم والواقع: هل حان وقت الثورة؟
250 views
Source:
-
|
+
التداول بين الوهم والواقع: هل حان وقت الثورة؟

بقلم: كريم الأسعد

من يتأمل المشهد المالي اليوم، يرى أنّ قطاع التداول — خصوصًا في أسواق العملات (الفوركس) — يعيش أزمة ثقة حقيقية. فقد تحوّل من أداة استثمارية لتنويع الثروة وحماية رأس المال إلى مساحة تُشبه الكازينو المفتوح على مدار الساعة. آلاف الأفراد ينجذبون إلى وعود الثراء السريع، ليكتشفوا سريعًا أنّ الأرباح المؤقتة لا تدوم، وأنّ الخسائر المتراكمة تبتلع معظم التجارب. هذه ليست حوادث فردية، بل ثقافة متجذرة: عقلية المقامرة بدلًا من عقلية الاستثمار.

الأسواق بطبيعتها متقلبة، لكنّ التقلّب لا يبرر غياب المنهجية. ما يحصل اليوم هو أنّ جيلاً كاملًا يتعامل مع التداول كرهان على حركة سعر لحظية، لا كاستثمار طويل الأمد قائم على تحليل اقتصادي واستراتيجيات لإدارة المخاطر. ومع هذه العقلية، يصبح التداول فخًا جماعيًا، يربح فيه القليل ويخسر فيه الأكثرية. وهذا الخلل لا يعود للأسواق نفسها بقدر ما يعود للذهنيّة التي تحكمها.

العالم من حولنا يتغيّر بسرعة. القانون يعاد صياغته باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، المواصلات تتحول إلى كهربائية وذاتية القيادة، والتعليم ينتقل من الفصول المغلقة إلى المنصات الذكية. فهل يُعقل أن يبقى التداول محصورًا في شاشة أسعار وأوامر بيع وشراء ورسوم بيانية بدائية؟ الواقع أنّ القطاع يحتاج إلى ثورة مزدوجة: ثورة فكرية تغيّر طريقة التفكير، وثورة تقنية تدمج الذكاء الاصطناعي مع إدارة المخاطر.

خلال السنوات الأخيرة، بدأت تظهر مبادرات تحاول تصحيح المسار. لم تعد الفكرة محصورة بوعود “الثراء السريع”، بل بخلق بيئة استثمارية أكثر انضباطًا. من هذه المبادرات منصات مثل بورصا بلس، التي تسعى إلى تحويل التجربة من مقامرة عشوائية إلى نهج استثماري منظم: اختيار قادة ذوي خبرة مثبتة، توزيع المخاطر على استراتيجيات متعددة، واستخدام الذكاء الاصطناعي لتحويل الضوضاء إلى بيانات واضحة. ورغم أنّ هذه المحاولات لا تزال في بداياتها، إلا أنّها تكشف عن استعداد القطاع للتغيير ووعي متزايد لدى الجمهور بخطورة النهج الحالي.

إعادة الثقة إلى التداول تتطلب وضع قواعد جديدة. يجب أن يعرف المتداول حجم المخاطر بوضوح بدلًا من أن يعيش في أوهام الأرباح السريعة. النجاح لا يُقاس بصفقة واحدة بل بقدرة النظام ككل على إدارة رأس المال على المدى الطويل. والتكنولوجيا الحديثة قادرة على قراءة ملايين البيانات في ثوانٍ، فكيف نترك القرار للحدس والمزاج؟

القطاع اليوم أمام مفترق طرق: إمّا أن يبقى في دائرة المقامرة ويواصل خسارة ثقة الناس، أو أن يدخل عصر الاستثمار الذكي، حيث المخاطر تُدار علميًا والقرارات تُتخذ بناءً على تحليل معمّق وأدوات ذكاء اصطناعي. التغيير لن يكون سهلًا، إذ يواجه مقاومة من ثقافة راسخة ومن مليارات تُصرف على تسويق الأوهام، لكن التجربة الاقتصادية أثبتت أن القطاعات التي لا تتطور تذبل.

ما يحدث اليوم يذكّر بما مرت به المصارف قبل قرن من الزمن. كانت مجرد خزائن تحفظ الأموال، ثم تطورت إلى مؤسسات استثمارية تدير الاقتصاد العالمي. التداول يمر بلحظة مشابهة: إمّا أن يظل لعبة حظ، أو أن يتحول إلى استثمار مستدام يخدم الأفراد والاقتصاد.

الجيل الجديد من المنصات، مثل بورصا بلس، يفتح الباب لمسار بديل: استثمار منضبط يعتمد على الشفافية والتقنيات الحديثة بدلًا من الرهانات العشوائية. المستقبل لن يكون للتاجر الذي يلاحق المغامرة السريعة، بل للمستثمر الذي يعرف كيف يقرأ البيانات ويدير المخاطر. وبين الوهم والواقع، ما نحتاجه هو ثورة تضع هذا القطاع على سكة جديدة، تليق بعصر الذكاء الاصطناعي

محلي

يلفت موقع "اخر الاخبار" انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره