|
على أبواب الاستحقاق الانتخابي، تبدو دائرتا جزين – صيدا كأنهما تقفان على حافة فراغ سياسي كامل. فبرغم كثرة الأطراف والقوى المؤثرة تقليديًا في هاتين الساحتين، إلا أنّ أزمة تحالفات عميقة بدأت تطفو على السطح، كاشفةً عن تباعد غير مسبوق بين القوى المحلية، إلى حدّ أن المشهد يوصف اليوم بأنّه: "لا أحد يتكلم مع أحد".
في جزين، لا يبدو أن التيار الوطني الحر قادر على تثبيت أي صيغة تعاون واضحة مع حركة أمل حتى الساعة، فالاتصالات مقطوعة والتباينات أكثر من أن تُحصى. العلاقة بين الطرفين، رغم محاولات تبريدها، ما تزال في منطقة رمادية لا تسمح بتشكيل لائحة متماسكة.
وإذا كانت العلاقة بين التيار وأمل متعثّرة، فإنّ الصورة مع الشريك الجزيني المفترض لا تبدو أفضل. فالاتصالات مع الشخصيات الجزينية التقليدية لم تُقفل، لكنها لم تُفتح فعليًا أيضاً، ليبقى كلّ طرف يتموضع وحيدًا بانتظار ما ستؤول إليه التحالفات الكبرى.
من الجهة المقابلة، لا تبدو القوات اللبنانية في وضع مريح أيضاً. فالحزب لم يجد بعد أي شريك صيداوي فاعل يمكن البناء عليه:
لا بهية الحريري منخرطة في أي اتجاه،
ولا أسامة سعد في وارد التنسيق،
ولا عبد الرحمن البزري قريب من صيغة تحالف مع القوات أو غيرها.
كلّ طرف متموضع في مربّعه، يراقب ولا يحسم.
الصورة ليست أفضل بين التيار الوطني الحر والقيادات الصيداوية. قنوات التواصل مع صيدا شبه مقفلة، والتحالف مع أي مرجعية صيداوية — سواء آل الحريري أو سعد أو البزري — غير وارد حتى الآن، ما يزيد من تعقيد المشهد الانتخابي في المدينة.
أما أسامة سعد وعبد الرحمن البزري، فالعلاقة بينهما تمرّ ببرودة واضحة، وتكاد تكون مقطوعة سياسياً، على الرغم من تقاطعات محدودة في ملفات محلية. لا أحد منهما مستعد للتنازل أو فتح الباب لتحالف مبكر.
وفوق كل هذه التباينات، يبرز عامل إضافي يضاعف التعقيد: اندثار شبه كامل للتيار المدني في القضاءين، بعدما كان قد شكّل حالة اعتراضية في الانتخابات السابقة. غياب هذا المكوّن يفتح فراغًا إضافيًا ولا يقدّم أي بديل يمكن أن يفرض توازناً جديداً.
في المحصّلة، يبدو أن جزين – صيدا تتّجهان نحو واحدة من أكثر المعارك ضبابية منذ سنوات. لا تحالفات، لا تفاهمات، ولا حتى خطوط تواصل مفتوحة. وحده الفراغ السياسي يتمدّد، فيما تنتظر القوى اللحظة المناسبة للانقضاض على مقعد أو حفظ حضور، في مشهد يعكس انهيارًا كاملًا لثقافة التحالفات التي لطالما حكمت الانتخابات في هذه الدائرة.
سياسة وانتخابات ..
|