العاصفة تهبّ مرّتين

محلي
03-11-2025 |  08:14 AM
العاصفة تهبّ مرّتين
492 views
AlJoumhouria Source:
-
|
+

منذ دخوله العريض إلى المنطقة وتسلّمه الملفات الحسّاسة في سوريا ولبنان، كموفد للرئيس الأميركي دونالد ترامب، وتوم برّاك ينشر العواصف بسبب مواقفه الصادمة والمثيرة للجدل. هكذا بدأ مع نعيه لـ»سايكس بيكو» وحاجة المنطقة لترتيب واقع جديد، يرتكز على الإنتماء العشائري والطائفي والقومي، ورعايته لآلية سريعة سمحت باحتضان يكاد يشبه التبنّي السياسي، لسلطة الرئيس السوري أحمد الشرع.
لكن، في الملف اللبناني، لم تجرِ الأمور بالسلاسة نفسها التي سارت عليها في سوريا. فمن جهة عانى دوره من منافسة «داخلية»، والمقصود هنا الدور الذي تولّته مورغان أورتاغوس، والذي شهد «إقصاء» مرحلياً قبل أن تعود لتتولّى دورها، ومن جهة أخرى لم تحقق جهوده أي تقدّم ملحوظ، وهو الذي اعتبر لبنان منتجعاً بحرياً لسوريا. ومما لا شك فيه أنّ تحذيره كان على سبيل ممارسة الضغوط، لكنه لم يكن موفقاً في تحذيره.
ومع «خروج» برّاك من مهمّاته اللبنانية تمهيداً لحصر الملف اللبناني بين ثنائية أورتاغوس والسفير الأميركي الجديد ميشال عيسى، ظهر أنّ حكومة نتنياهو فضّلت التعاطي لبنانياً من خلال أورتاغوس وليس من خلاله، بسبب مآخذ لها على الدور الذي يلعبه في الملف السوري، والذي يميل إلى مراعاة تركيا بعض الشيء. ربما لأجل ذلك بدا برّاك أكثر تحرّراً في مقاربته للملف اللبناني، فلم تعد قيود مهمّته تكبّله. ولكن لا يمكن التعامي عن أنّ مواقفه الصادمة تجاه الوضع في لبنان، والتي بدأت منذ نحو أسبوعين من خلال تغريدته الطويلة، إنما تعكس النبض الحقيقي لإدارة ترامب حيال الملف اللبناني. فمنذ التوصل إلى تسوية وقف الحرب في غزة، باشر نتنياهو استدارته في اتجاه لبنان، ولكن الأهم هو وجود تفاهم ما مع الإدارة الأميركية.
ومع سلسلة مواقفه التي بدأها منذ أسبوعين وصولاً إلى المواقف التي أعلنها في «منتدى المنامة»، طرأ عنصر جديد على السردية الأميركية، والتي باتت تطاول الدولة اللبنانية أو ضمناً السلطة اللبنانية. فهو صنّف لبنان بأنّه «دولة فاشلة» وأنّ «حزب الله» أقوى من الدولة خدماتياً وعسكرياً، وأضاف بشيء من التهديد المبطّن، أنّ إدارته لن تتورط أكثر في الوضع مع منظمة إرهابية ودولة فاشلة. ولم ينس أن يكرّر تحذيره بأنّه لم يعد هناك متسع من الوقت.
وقبل ذلك ومع التغريدة الطويلة منذ أسبوعين، كان برّاك قد لمّح وبأسلوب خبيث، إلى احتمال تجدد الإحتجاجات في الشارع كما حصل في 17 تشرين 2019. وبعد كلامه جاء كلام وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، الذي حذّر من أنّ «حزب الله» «يلعب بالنار»، وأنّ رئيس لبنان يماطل. وما بين الموقفين حلّقت المسيّرات الإسرائيلية على علو متوسط فوق قصر بعبدا والسراي الحكومي مرّات عدة. الواضح أنّ ثمة ترتيبات مريبة يجري تحضيرها في الكواليس.
وفي إشارة إضافية، فإنّ أورتاغوس والتي أحاطت جولتها بحصار إعلامي محكم، كان لها كلام مكتوب ومحضّر بعناية، ونُشِر عبر بيان رسمي صادر عن السفارة الأميركية، ويتضمن بوضوح مهلة الشهرين كحدّ أقصى لإنهاء ملف سلاح «حزب الله» على كل الأراضي اللبنانية وليس فقط في منطقة جنوب الليطاني. وفي البيان عينه إشادة متكرّرة بالجيش اللبناني، ولكن من دون التطرق إلى الحكومة اللبنانية ودورها.
في الواقع، لا تبدو الأجواء الصادرة عن واشنطن صافية أو مريحة. فهنالك ما يشبه التفهم لما يخطط له نتنياهو تجاه لبنان، وعلى عكس التنافر الحاصل بينه وبين ترامب بسبب غزة والضفة الغربية، ووفق زوار العاصمة الأميركية، فإنّ الإنطباع الغالب هو أنّ الحلول في لبنان لا يمكن أن تأتي إلّا على الساخن، وانسجاماً مع نظرية ترامب بالتفاوض عبر القوة، ووفق مبدأ إيجاد توازن دقيق بين القوة العسكرية والتحرك الديبلوماسي. ووفق المتعاطين بالملف اللبناني في واشنطن، فإنّ اقتناعاً ما بدأ يترسخ حول أنّ البرنامج اللبناني توقف هنا، وأنّ أي خطوات جدّية جديدة قد لا تحصل في الأفق المنظور. وهذا الكلام يحمل تأييداً ضمنياً للتوجّهات التي يطرحها نتنياهو ويحتاجها بقوة بسبب مشكلاته الداخلية الحادة. وستشكّل مهلة الشهرين مساحة زمنية مناسبة لإمرار بعض الإستحقاقات قبل التوجّه إلى الحلول الحربية التي يدعو إليها نتنياهو. فهنالك إمرار المرحلة الثانية من اتفاق غزة، وهنالك أيضاً زيارة رأس الكنيسة الكاثوليكية للبنان، وهنالك زيارتان مهمتان إلى البيت الأبيض الأولى للرئيس السوري، ومن بعدها زيارة ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان. كذلك فإنّه مع مطلع السنة الجديدة سيبدأ التحضير لمحاكمة نتنياهو بتهم الفساد، أضف إلى ذلك، دعوات إلى فتح تحقيق رسمي لتحديد المسؤوليات عن كارثة السابع من أكتوبر. والأهم أنّ كل ذلك سيحصل مع افتتاح مرحلة الحملات الإنتخابية، وسط تراجع أرقام الإئتلاف الحكومي اليميني الإسرائيلي. مع الإشارة هنا إلى أنّ نسبة لا بأس بها من سكان المستوطنات الشمالية لا تزال ترفض العودة إلى منازلها، بسبب عدم ثقتها بالأوضاع الأمنية. والأهم أنّ حركة الهجرة المعاكسة، أي من إسرائيل إلى الخارج، لا تزال مستمرة وبمعدل لافت، وهو ما يعني تراجع الثقة بديمومة الكيان القائم. كل تلك العوامل تجعل من مهلة الشهرين التي تحدثت عنها أورتاغوس، أو الهامش الزمني الضيّق الذي أشار إليه برّاك، مرحلة تحضير لتطورات أكبر مع انطلاق السنة الجديدة.
وقد تكون الظروف الأميركية الداخلية مساعدة لإطلاق يد نتنياهو، وفق ما يشتهيه. فغداً الثلاثاء سيتوجّه الناخبون الأميركيون إلى صناديق الإقتراع لاختيار المجالس التشريعية للولايات الخمسين، إضافة إلى بعض المواقع المهمّة، ولو أنّ طابعها داخلي وليس فدرالياً. وصحيح أنّه لا يوجد أي تأثير لنتائج هذه الإنتخابات على الحكومة الفدرالية في واشنطن، إلّا أنّها ستشكّل ما يشبه الإستفتاء على شعبية الحزب الجمهوري بعد نحو 9 أشهر على عودة ترامب إلى البيت الأبيض، وقبل عام من الإنتخابات النصفية للكونغرس، والتي تشمل جميع مقاعد مجلس النواب الـ435 إضافة الى ثلث مقاعد مجلس الشيوخ. وفترة الأشهر التسعة للولاية الثانية لترامب كانت حافلة بالمواجهات والإهتزازات، أضف إلى ذلك أنّ الواقع الإقتصادي الذي التزم بتحسينه، بقي متراجعاً وموضع شكوى لدى الأميركيين.
وفي إشارة إضافية للرؤيا المشوشة للسياسة الأميركية تجاه الشرق الأوسط، فإنّ ترامب تراجع في اللحظات الأخيرة عن تعيين جويل رايبورن في موقع مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى. وأهمية ما حصل يعود إلى التفسيرات التي أُعطيت، والتي ردّت ذلك إلى مطالبة رايبورن بوضع سياسة واضحة مع أهداف استراتيجية محدّدة تجاه الشرق الأوسط، لتشكّل مرتكزاً لعمله وتستند عليها المؤسسات الأخرى المعنية، مثل وزارة الدفاع والأمن القومي وغيرهما. لكن تمّ تفسير رفض ترامب لذلك بأنّه يريد أن يترك هذه النقاط غامضة لتأمين نجاح المفاوضات التي يقوم بها. ذلك أنّ إحدى نقاط قوته التفاوضية، هي أنّ لا أحد قادراً على توقّع خطوته التالية، والتي يمكن أن تكون صاروخاً أو ربما قبلة. وهو ما يعزز نجاح قدرته التفاوضية، وهذا ما ينطبق بدوره على الوضع في لبنان.
وتأتي زيارة وكيل وزارة الخزانة الأميركية لشؤون مكافحة الإرهاب والإستخبارات المالية جون هيرلي لبيروت في إطار جولة على المنطقة، لاستكمال الضغوط القصوى، بهدف قطع ما تبقّى من شرايين التواصل المالي ما بين إيران و«حزب الله». وتحصل هذه الزيارة وسط انضمام الإعلام الأميركي إلى وسائل الإعلام الإسرائيلية في التركيز على استعادة القدرة العسكرية لـ»حزب الله»، ما يؤشر إلى البدء بتحضير الأجواء تمهيداً لعمل حربي يتمّ التمهيد له وتبريره مسبقاً.ولكن السؤال الأساسي يبقى حول الهدف السياسي المطلوب كنتيجة لأي عمل عسكري. فإلى جانب الهدف المعلن بضرب القدرة العسكرية لـ«حزب الله»، فإنّ ثمة هدفاً سياسياً كبيراً لا بدّ من وضعه، فما هو؟
هنالك من يعتقد أنّ من الخطأ الإعتقاد بأنّ ترامب ونتنياهو يتعاملان مع جبهات الشرق الأوسط من زاوية إنهاء حروب وملفات عسكرية. فالأصح إعتبار ذلك بداية لفصل استراتيجي جديد. ومن هذه الزاوية يجب النظر ملياً إلى ما يجري تخطيطه للبنان.

جوني منيّر - الجمهورية

محلي

يلفت موقع "اخر الاخبار" انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره