عوده: العدالة لا تجزأ وليست انتقائية أو كيدية وتمقت ازدواجية المعايير

محلي
29-1-2023 |  01:15 PM
عوده: العدالة لا تجزأ وليست انتقائية أو كيدية وتمقت ازدواجية المعايير
873 views
Source:
-
|
+
ترأس متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عوده خدمة القداس الإلهي في كاتدرائية القديس جاورجيوس.

بعد الإنجيل المقدس ألقى عظة قال فيها: "بعدما تعرفنا الأسبوع الماضي على زكا، رئيس العشارين الذي كان شعبه يكرهه، لكن الرب أنعم عليه بالمغفرة والمكوث تحت سقف بيته، ها نحن اليوم أمام امرأة وثنية جاءت تسترحم يسوع من أجل ابنتها. هذان المثالان يعدان المؤمنين لمرحلة مقبلة تشتد فيها التهيئة للدخول إلى معترك الصوم الكبير المقدس، وربح المعركة تجاه الشرير، وصولا إلى الاحتفال العظيم بالقيامة البهية. تعلمنا من زكا العشار كيف نتخطى كل الصعوبات التي يضعها الشرير في طريقنا كي لا نعاين المسيح المخلص، ولا نتذوق حلاوته، فنتوب ونعود إليه ونخلص. اليوم، نحن أمام امرأة، ليست يهودية مثل زكا، بل هي وثنية كنعانية. التاريخ البشري يشهد للعداوة الشديدة بين اليهود والكنعانيين، حتى إن اليهود كانوا يتمنون لو يباد الشعب الكنعاني بأكمله، رغم أنه جاء بحضارة عميقة، ومعه جاءت الزراعة وغيرها. لم ينظر اليهود إلى الكنعانيين من ناحية الغنى الثقافي أو الحضاري، ولا نظروا إلى ما منحهم الله من العطايا التي يمكن لليهود أن يغتنوا منها، بل رأوهم شعبا يهدد وجودهم الديني ويجب محوهم عن الأرض، فقط لأنهم لم يعرفوا الإله الحقيقي بعد. لكن شعبا يدعي معرفة الله، كيف يفكر بالشر في قلبه؟"

وسأل: "ألا يفعل اللبنانيون في غالبية الأحيان ما فعله اليهود مع الكنعانيين؟ للأسف، يقع البعض في خطيئة إدانة الآخر ومحاولة إقصائه. المسيحي فطر على المحبة، لا على الدينونة، إذ إن الله هو الديان العادل، والمانح الخلاص لجنس البشر. لذلك من واجب المسيحي أن يتشبث بالمسيح ويسعى مثل زكا والكنعانية إلى التوبة وإعلان الإيمان بالمخلص، وأن يتعلم منهما التواضع الذي سنعاينه الأسبوع المقبل مع العشار، حتى يكون مستحقا لفرح القيامة ويظهر أهلا للعرس السماوي، وإلا فإن الصوم الآتي لن ينفع قلبا متحجرا مغلقا على الإنسان الآخر. المسيح تجسد ليخلص الجميع، ولن ينال الخلاص إلا من تشبث به مثل زكا والكنعانية".

وقال: "خلاص بلدنا يكون على أيدي أبنائه إن هم نبذوا الحقد والتعالي والإستقواء والإدانة والإقصاء. بلدنا يحتضر. لا رأس للدولة، والحكومة مستقيلة، والمجلس النيابي مشرذم ومشلول، لم يتوصل بعد إحدى عشرة جلسة إلى انتخاب رئيس، يكون الخطوة الأولى في مسيرة انتظام عمل المؤسسات. والمؤسف أن الإنهيار في لبنان لم يقتصر على النواحي السياسية والمالية والإقتصادية  والإجتماعية بل تسرب إلى القضاء، وما شهدناه من تخبط وانقسام وصراعات وفوضى ينذر بتهاوي الملجأ الأمين لكل مستضعف ومقهور ومظلوم، والحصن المنيع الذي يحمي الدولة والمواطنين ويرسي العدالة على أساس الحق".

أضاف: "العدالة أساس الملك، وهي لا تجزأ وليست إنتقائية أو كيدية، وتمقت ازدواجية المعايير. لقد سميت بيروت منذ القديم أم الشرائع لتمسكها بالقانون، ومدرسة الحقوق الرومانية فيها لم تكن علامتها الوحيدة المضيئة إذ عرفت على مر الأزمنة رجال قانون لامعين، لم يدينوا إلا بالحق وما طأطأوا الرأس إلا أمام الله والحقيقة. لكن الحقيقة ضاعت في جريمة تفجير المرفأ وقسم من بيروت وأبنائها، أو هناك من شاء تضييعها لأسباب نجهلها ويعرفها المعطلون. ما نعرفه وما هو منطقي أن على كل مطلوب الذهاب إلى التحقيق حفظا لكرامته وإثباتا لبراءته. أما التعنت وعدم المثول أمام المحقق فيشكلان إدانة واضحة لمن يتمسك بهما. عندما يخضع الجميع للقانون ويحترمونه تستقيم الأمور، وعندما يغيب العدل تعم الفوضى، ويصبح صاحب الحق مقهورا أو مدانا، والمجرم المطلوب للعدالة متفرجا مستقويا بمن يحميه. لقد أصبحت المواجهة بين القضاة، عوض أن تكون بين القضاء والمذنبين الذين فجروا العاصمة وها هم يفجرون القضاء. هذا الوضع لم نشهد له مثيلا في تاريخ لبنان، ولم يعهده قصر العدل. وعوض التمسك باستقلالية القضاء دخلت السياسة والطائفية إلى القضاء. لقد أدت السياسة المعتمدة عندنا إلى تحلل الدولة وانهيارها، لذلك على ذوي الضمائر الحية الساهرة على البلد عدم ترك السياسة تقضي على القضاء. لذا نتوقع من أولي الأمر مواقف على قدر جسامة الوضع، لا تصاريح فارغة لم تعد تجدي".

وختم: "الإستهتار بأرواح الناس وحياتهم حرام، ومن حق كل متضرر معرفة الحقيقة، ومهما كبر غلو السلطة لا بد للحقيقة أن تظهر. نحن نعيش في أدغال سياسية واقتصادية وقضائية بسبب عدم كفاءة السياسيين وقلة مسؤوليتهم. متى ينقضي هذا الكابوس عن حياة اللبنانيين؟ بيروت الحزينة على أبنائها تنتظر استكمال التحقيق وجلاء الحقيقة. ولبنان كله حزين على وضعه وينتظر انجلاء الليل القاتم وبزوغ فجر النهوض. عسى ألا يكون الإنتظار طويلا".

محلي

يلفت موقع "اخر الاخبار" انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره