ديما جمالي: الهشاشة بدرجة بروفسورة

محلي
17-4-2019 |  09:44 AM
ديما جمالي: الهشاشة بدرجة بروفسورة
1146 views
almodon Source:
-
|
+
كان احتفاؤنا بوصول أول إمرأة في تاريخ مدينة طرابلس إلى مجلس النواب، سريع التبدد. سمات الرقّة المطمْئِنة للنفس، والاستئناس بطلّتها العصرية، وتعبيراتها الأولى كوجه مدني، ينحاز إلى هموم تجْمَع الاقتصاد بالتنمية الاجتماعية، بل أيضاً انتماؤها لتيار سياسي نناصر عناوينه (أكثر منه أحياناً).. كل هذا جعلنا مغتبطين بها، نحن الذين ننفر من طغيان الجلافة الذكورية على مشهد البرلمان، وفظاظة رجاله.

المزيج المشبوه
اختيارها ومن ثم فوزها بنيابتها الأولى، قبل الطعن بها، أوحت أن صورة أخرى يصنعها سعد الحريري لتياره السياسي، ورسماً آخر لطاقمه في السلطة. شبان وشابات تشكلت حساسيتهم واهتماماتهم في الحرم الجامعي لا في المكاتب الحزبية. جيل يحصّل معرفته بنيل الشهادات لا من تجربة ميادين الشأن العام. أكاديميون أو موظفون مرموقون في شركات أجنبية، شبه مغتربين، جدد على معنى القطيعة مع ذاكرة البلد ومواريثه السياسية. هم ذاك المزيج المشبوه بين التكنوقراط ومحترفي "المنظمات غير الحكومية"، على مثال: هلمّ بنا نمدّن الشعب.
بدا سعد الحريري في انتقائه لها ولنظرائها، أنه يفارق جهاز أبيه ورفاق أبيه، الذين يكبرونه سناً على نحو تستعصي معه الإلفة ويتعثر التفاهم. فالفارق الجيلي كان بالغ الأثر في اضطراب العلاقات بينه وبين أصحاب أبيه. بل ويمكن ترجمته في السياسة مع تلك المفارقة أن الحريري قد يستأنس السهر أو تزجية الوقت أو مجرد تبادل الأحاديث الاجتماعية والشخصية مع "خصم" يجايله كجبران باسيل، وقد لا يصح هذا مع نهاد المشنوق أو فؤاد السنيورة.
إلى ذلك، نزع سعد الحريري نحو تأسيس حقبته المغايرة عن عهد والده أولاً، وعن مرحلة ما قبل العام 2011. ودخل بمجازفة كبرى مع ذاك التصور الجديد لممارسة السياسة والحكم، القائم على شبهة تأسيس الشركات الحديثة، المفعمة بالروح الشبابية. وهو في موضع آخر، استجاب بذلك لميل ظاهر في العقد الأخير نحو "سياسات" مدنية، أقلوية أو فئوية: النضال النسوي، العمل البيئي، تمكين ذوي الاحتياجات الخاصة، وصولاً إلى الترويج لركوب الدراجات الهوائية..إلخ.

نذير شؤم
جاءت ديما جمالي، حسب الرواية الشائعة، تعرض "مشاريعها" على الحريري. وكانت بيده سيرتها الذاتية. فاقترح عليها فوراً الترشح للانتخابات. كمن وجد بالضبط ما يوائم تصوره الجديد لفريق عمله. فمن منا لن تسحره جملة ألقاب وصفات من نوع: "بروفسورة في إدارة الأعمال" أو "حائزة على دكتوراه في السياسة الاجتماعية والإدارة"، أو "مستشارة للأمم المتحدة.."، مضافاً إليها ذاك الحضور اللطيف والأنيق!
لم يسعفنا الوقت القليل لنيابتها الأولى في معرفة جدارتها، أو في تكوين انطباع سليم عن حضورها وأدائها البرلماني. ولا هي أثارت أمراً يلفت النظر سلباً أو إيجاباً، فلم تمتحن نفسها ولا استطعنا امتحانها. بدت دوماً مبتهجة في مجيئها إلى مجلس النواب أمام عدسات المصوّرين، كما لو أنها أمام طقس "الريد كاربت" (السجادة الحمراء) لمهرجان فني.
لكن حتى في ذاك الوقت، كان ثمة نذير شؤم يحوم حول هذه الوجوه البرلمانية والوزارية الجديدة، التي اختارها الحريري أو الزعماء الآخرون. فهؤلاء "الجدد" أتى بهم ناخبون ذهبوا للاقتراع بعصبية سياسية مشحونة بالصراع العميق بين الجماعات اللبنانية، و/أو مدفوعة بخيبات سياسية مؤلمة، خصوصاً في بيروت وطرابلس. تم اختيارهم لانتمائهم السياسي المفترض لا لسيرتهم الذاتية المهنية والعلمية. وهذا الفارق الهائل بين التمثيل الأهلي – السياسي، وبين "تأسيس الشركات" أو "المنظمات غير الحكومية"، إتضّح سريعاً مع ظهور علامات "الغربة" بين ديما جمالي وأهل طرابلس.

التروما
كان قرار المجلس الدستوري ببطلان نيابتها بمثابة "تروما" لجمالي. منذ تلك اللحظة، فقدت توازنها تماماً. فطراوة سيرتها وسلاسة حياتها كشابة مجتهدة في الدرس، تتدرج من شهادة إلى أخرى، ومن وظيفة مرموقة إلى مناصب عليا، ومن جوائز تقديرية إلى مكافآت أكاديمية، ليست معتادة على معترك حياة عامة قاسية ومكشوفة على إعلام لئيم (وسوشيال ميديا فاحش)، ويسودها الضواري من مخضرمي السياسة والإدارة. استحوذت عليها التروما فأضحت إمرأة مرتجفة، مجروحة، تداري حزنها وشعورها بالمهانة. وهي في مداراتها لمشاعرها المضطربة وارتجافها الدائم ونزيف جرحها النرجسي.. راحت تراكم الهفوات والأخطاء كمن يحاول إعادة تركيب الزجاج المهشم، لتتزايد الجروح ويتضاعف النزيف.
وإذا أضفنا هذا إلى "الغربة" التي راحت تتزايد بينها وبين أهل طرابلس، كما غربتها التامة عن السياسة وانعدام حيلها في السجال العام، وافتقادها لسرعة البديهة في التعبير والتصريح، وجدنا ديما جمالي بعد فقدان مقعدها النيابي وأثناء إعادة ترشيحها كذبيحة مطروحة وسط وحوش كاسرة. وفي هذه الحال، كل نواياها الحسنة لن تسعفها من المخالب والأنياب.
ما عادت هي نفسها الفرحة والمنطلقة، ولا أظهرت عوارض شفاء من الرضّة العنيفة. ومن زلة لسان إلى حركة خاطئة إلى أفكار مشعثة إلى مبادرات سيئة.. هكذا، حتى اضطر تيارها السياسي ورفاقها إلى لجمها وشلّها وإخفاء صوتها. تحولت إلى عبء لا يجوز التهرب منه، إلى كائن تعوزه العناية والعطف والإرشاد، كما لو أنها كانت ضحية فضيحة شائنة وظالمة. ضعفها الذي لا يُطاق أبان عن افتقار مريع لغريزة الكائن السياسي وهشاشة معيبة ولو بدرجة بروفسورة. وفي محنتها هذه، انكشف عطب اختيارها من قبل الحريري، لا لشخصها و"كفاءاتها"، بل لخطل مزاجه الجديد في السلطة، كمن ينتقي الأصحاب المناسبين لرحلة سياحية.

ضمير الغائب
في بداية حملتها لاستعادة مقعدها "المسلوب"، ولنتجاوز هنا الفيديو المسرّب وكلامها المسيء فيه للمجلس الدستوري ومن ثم اعتذارها، بل ولنتجاوز كل زلاتها، ولنقرأ وحسب تغريدتها على تويتر: "لدعم واجهة طرابلس الحضارية تعمل النائبة جمالي مع السفارة الإماراتية على تأهيل حديقة الشيخ زايد التي ستحمل اسم منتزه الشيخ زايد للتسامح". ولنتخيل سكان طرابلس والبلايا والكوارث التي هم فيها ويقرأون السيدة اللطيفة ما تبتدئ به حملتها الانتخابية. كأن أهل طرابلس لن يعرفوا النوم قبل إعادة تأهيل حديقة!
لكن ما يلفت النظر في تلك التغريدة، وما يشبهها كثير، هو التحدث عن نفسها بضمير الغائب: "تعمل النائبة جمالي..". مطلق العجرفة بنبرة التواضع. نرجسية فاقعة "بفعل الخير". وعلى هذا كان بؤس امتحانها الاجتماعي والسياسي مع الناخبين، وكانت القطيعة المتبادلة بينها وبينهم. ومن هنا يكون بطلان النيابة.. وليس في قرار المجلس الدستوري وحسب. أي في لا مشروعية "التمثيل" أصلاً.

يوسف بزي - المدن

محلي

يلفت موقع "اخر الاخبار" انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره