في المصطلحات العسكرية، هناك مصطلح يُسمَّى "القتال التأخيري"، وهو القتال الذي يغطي الانسحاب.
ينطبق هذا المصطلح على ما يُستخدم في الدبلوماسية، بمعنى أن التصريحات الرافضة للتفاوض ليست سوى قتالٍ تأخيري للانسحاب"، أو بشكلٍ أدق، للتراجع عن المواقف الرافضة للتفاوض.
السؤال البديهي الذي يطرح نفسه هو: أين نجد في مراجع التفاوض والعلاقات الدولية والمعاهدات أنْ حصل التفاوض عن بُعْد؟ أو بطريقة غير مباشرة؟
حين فاوض الرئيس المصري الراحل أنور السادات، إسرائيل، ذهب إلى تل أبيب وألقى خطابًا في الكنيست. ثم كان تفاوض ملك الأردن، الملك حسين بن عبدالله، الذي انتهج تفاوضًا مباشرًا، ثم تلاه رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات الذي صافح إسحق رابين في واشنطن برعاية الرئيس الأميركي بيل كلينتون، سوريا اليوم، بنظامها الجديد، تقترب من التفاوض المباشر، مع الإشارة إلى أن "الاتفاق السوري - الإسرائيلي" احترمه نظام الأسد منذ انتهاء حرب 73، ثم عند دخول الجيش السوري إلى لبنان تحت حجة وقف الحرب علمًا أن هذا الدخول كان لضبط منظمة التحرير الفلسطينية، ولم يكن لهذا التدخل أن يحصل لولا الضوء الأخضر الإسرائيلي والأميركي، حتى أن السوفيات لم يكونوا على عِلمٍ به، وهذا ما يكشفه وزير الخارجية السوفياتي آنذاك أندريه غروميكو في مذكراته التي سماها Memoirs (ذكريات)، وفيها أسهب في رواية الدخول العسكري السوري إلى لبنان من دون إبلاغ حلفائه السوفيات.
فيقول: "إن الاتحاد السوفياتي لم يُبلّغ مسبقًا بكل تفاصيل القرار السوري، لكن تم إعلامهم به بعد التنفيذ.
هكذا، كل الدول العربية المحيطة بإسرائيل، ذهبت إلى التفاوض معها، أما شكل التفاوض فلا يعود ذات أهمية لأن المهم والأهم هو مضمون التفاوض لا شكله، أما التوقف عند الشكل فمرده إلى أن الشكل يغطي الرفض للتفاوض.
أيام نظام الوصاية السورية، كان يُقال "إن لبنان هو آخر دولة عربية توقع مع إسرائيل"، إذا دققنا قليلًا، فإن لبنان اليوم ينطبق عليه هذا التوصيف، فهو آخر دولة عربية، لها حدود مع إسرائيل، لم توقع بعد، أكثر من ذلك، لم تدخل في تفاوض بعد.
في المقابل، لم يتردد لبنان في توقيع اتفاقات مع "إخوانه العرب"، وكانت كلها اتفاقات مست سيادته، وضربته في الصميم، من "اتفاق القاهرة" مع منظمة التحرير الفلسطينية عام 1969، إلى "معاهدة التنسيق والتعاون بين لبنان وسوريا" والتي كانت "طابشة" لمصلحة سوريا، ويذكر العارفون أن تلك المعاهدة أعدَّت في سوريا ولم يكن على الجانب اللبناني سوى التوقيع.
اليوم، ما هي الخيارات المطروحة أمام لبنان؟ لا خيار سوى التفاوض، لأن البديل هو الحرب، فهل لبنان قادر على الحرب؟ وإذا لم يكن قادرًا، وهذا هو الأرجح، فماذا سيختار؟
اختبر لبنان الحرب، والنتيجة ماثلة أمام الجميع، فما البديل من الحرب؟ الجواب موجود في مُتُن السؤال! تبقى الجرأة في قوله.
جان فغالي - نداء الوطن