هل ينجح بري في تثبيت معادلة "السلاح مقابل السيادة"؟
302 Views
|
08:46
| 23-07-2025
|
في وقت تشهد فيه المنطقة توترات متصاعدة، خصوصاً بعد التطورات الأخيرة في غزة وسوريا، جاءت الزيارة الثالثة للموفد الأميركي إلى لبنان توم باراك لتؤكد وجود تحرّك أميركي متسارع بهدف ضبط الأوضاع على الحدود الجنوبية للبنان، وفرض شروط واضحة على الأطراف اللبنانية، وبخاصة فيما يتعلق بسلاح ح زب الله.
تأتي زيارة باراك في ظل تطورات عسكرية متسارعة في غزة، حيث تخوض إسرائيل معركة واسعة ضد حركة حماس، ما يزيد من مخاطر انتقال الصراع إلى الحدود الشمالية مع لبنان وسوريا. وفي ظل هذا المشهد، تحرص الإدارة الأميركية على عدم تمدد النزاع إلى لبنان، معتبرة أن أي تصعيدا هناك قد يعقّد جهود تهدئة المنطقة بشكل عام.
لبنان من جانبه يعيش حالة من الانقسام السياسي والتوتر الداخلي، مع صعوبة في توحيد المواقف الرسمية تجاه الضغوط الدولية والإسرائيلية. في هذا السياق، كانت زيارة باراك محاولة أميركية لترتيب الأوضاع وفرض رؤية واضحة على السلطة اللبنانية.
كما تأتي زيارة الموفد الأميركي آموس باراك إلى بيروت في وقت تشهد فيه منطقة السويداء السورية توترات أمنية خطيرة، تمثلت في تفجيرات وأعمال عنف طائفية، مما زاد من المخاوف اللبنانية من انتقال التوتر إلى داخل لبنان، خصوصاً في المناطق الشرقية والجنوبية. هذه التطورات عززت موقف ح زب الله الذي يرى في استمرار التوترات على الحدود شرعية أكثر للحفاظ على سلاحه كوسيلة حماية. كما دفعت الضغوط الدولية إلى تسريع الاتصالات ومحاولات ضبط الأوضاع لمنع انفجار أمني واسع يهدّد استقرار لبنان والمنطقة.
برز في الزيارة تحوّل ملحوظ في نبرة الموفد الأميركي، حيث بدا أكثر صرامة مقارنة بالزيارات السابقة، إذ حمل رسائل محددة غير قابلة للتفاوض، طالبة من المسؤولين اللبنانيين العمل على ضبط سلاح حزب الله وضمان عدم تمدد الصراع في الجنوب.
لم يعد باراك يتحدث بنبرة وسيط يسعى للتقريب بين وجهات النظر، بل جاء برسائل تحمل طابع الإملاء، مشيراً إلى أن «الوقت ينفد» وأن على لبنان اتخاذ خطوات ملموسة، وإلّا فإن واشنطن قد تلجأ إلى دعم تحركات إسرائيلية أكثر حزماً.
هذه الرسائل تعكس بوضوح مخاوف أميركية من احتمال انزلاق لبنان إلى صراع عسكري شامل، وتُظهر رغبة في حصر الصراع داخل غزة دون توسّع.
رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي يُعتبر لاعباً رئيسياً في معادلة لبنان السياسية وخاصة في العلاقة مع ح زب الله، استقبل باراك في لقاء مهم دام لأكثر من ساعة ونصف. ناقش الطرفان خلاله مسألة ضبط الأوضاع في الجنوب وضرورة تجنيب لبنان مزيداً من الصراعات.
أكد بري ضرورة تحييد لبنان عن الصراعات الإقليمية، وأكد على أن لبنان يحتاج إلى ضمانات واضحة تحترم سيادته، خصوصاً في مواجهة أي ضغوط تمسّ بقراره الوطني.
لكن بري، وعلى الرغم من استقباله لباراك، يعبّر عن موقف معقّد داخل لبنان، إذ يواجه صعوبة في فرض رؤية موحّدة تجاه ح زب الله، الذي يعتبر سلاحه عنصراً حيوياً في التوازن الداخلي وحماية الطائفة الشيعية.
المشكلة التي تواجه لبنان اليوم هي كيفية التوفيق بين مطلب السيادة الوطنية، والضغوط الأميركية والإسرائيلية لنزع سلاح ح زب الله، الذي يرفض التخلّي عنه في ظل عدم التزام إسرائيل بالانسحاب الكامل من الأراضي اللبنانية، وغياب الضمانات الأمنية.
ح زب الله يعتبر نفسه قوة مقاومة تحمي لبنان من الاعتداءات الإسرائيلية، ويربط وجود سلاحه باستمرار تهديدات تل أبيب، إضافة إلى التوترات القائمة على الحدود الشرقية مع سوريا.
في المقابل، تدفع واشنطن لتثبيت الهدوء عبر نزع سلاح الحزب أو على الأقل تقليص قدراته الصاروخية، مقابل وعود بضمانات من إسرائيل لعدم الاعتداء على لبنان.
على الرغم من المحاولات الدبلوماسية، تُظهر التطورات الميدانية في الجنوب تصعيداً مستمراً، مع تجدّد الخروقات الإسرائيلية وعدم الاستقرار الأمني.
تزامناً مع ذلك، يشهد الخطاب السياسي اللبناني انقسامات حادّة، مع استمرار الخلافات بين الأطراف حول السلاح ودوره، وعدم القدرة على الاتفاق على آلية واضحة للضبط.
تثير هذه المعطيات تساؤلات حول مدى قدرة لبنان على احتواء الملف الأمني، وما إذا كانت التصعيدات ستفتح الباب لمواجهة عسكرية جديدة، قد تؤدي إلى دمار واسع في منطقة حسّاسة.
تسعى الإدارة الأميركية من خلال زيارات باراك وغيرها إلى فرض معادلة واضحة: استقرار وأمن في الجنوب مقابل ضبط سلاح ح زب الله. ويبدو أن واشنطن مستعدّة للضغط على لبنان لتحقيق هذا الهدف، مستخدمة أدواتها الدبلوماسية والمالية.
ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأميركية، ترغب الإدارة في تسجيل إنجازات دبلوماسية في المنطقة، تمنع تمدد الصراع وتحافظ على تحالفاتها، مما يجعل الملف اللبناني من الأولويات.
يبقى السؤال مطروحاً حول قدرة لبنان على المناورة بين الضغوط الدولية والواقع الداخلي المعقّد. ففي الوقت الذي تسعى فيه القوى السياسية إلى الحفاظ على الاستقرار، لا تزال تحاول تجنّب الاندفاع نحو تصعيد مفتوح، إلّا أن غياب التوافق الوطني يجعل المسألة أكثر هشاشة.
كما يظل الدور الإقليمي، من سوريا إلى إيران، مؤثراً في معادلات لبنان الأمنية والسياسية، ما يزيد من تعقيد المشهد.
زياد عيتاني- "اللواء"
يلفت موقع "اخر الاخبار" انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره