سعد الحريري... لا تحسدوني على موقفي!

محلي
24-11-2017 |  09:43 AM
سعد الحريري... لا تحسدوني على موقفي!
1221 views
الاتحاد اللبناني Source:
-
|
+
كلير شكر

لن تكون المقارنة بين إطلالة سعد الحريري بالأمس أمام جمهوره، بتلك المتفلزة التي أطلق خلالها قنبلة استقالته أو بتلك المقابلة الملتبسة مع الزميلة بولا يعقوبيان، لمصلحة الفريق المتبني لرواية السعودية بأنّ رئيس حكومة لبنان لم يكن محتجزاً. فوارق المشاهد الثلاثة فاضحة جداً ولا حاجة لتعدادها.
من على شرفة بيت الوسط بدا الرجل على عفويته مزهواً بناسه. وكأنه غير مصدق أنه عاد الى دارته وإلى جمهوره. غمرته الحماسة خلال تلاوته خطابه المقتضب متوجهاً الى محبيه بالقول: أنتم عنوان الوفاء!
رسائل ثلاثة بدت جلية في كلماته المعدودة أراد توجهيهها لأصحاب العلاقة: الرسالة الأولى لذوي الأمر والنهي في المملكة بأنه ممثل الشارع السني الأول ولا مكان لفعل الاسقاطات على الساحة الزرقاء. الرسالة الثانية للأقربين قبل الأبعدين بأن الوفاء فضيلة نادرة وقد كانت الأيام الأخيرة أصعب اختبار لها. أما الرسالة الثالثة فقد كاد يلفظها: نعم كنت محتجزاً.
في مشهد الحشد الجماهيري مام بيت الوسط، بدت وكأنها ولادة جديدة للرجل. هذه المرة من "عرق التعاطف" معه. لا وراثة ولا عباءة أسقطت على عجل على كتفيه. هؤلاء الناس يحبوه لشخصه حتى لو أنهم أثبتوا ذلك في لحظات ضعفه. المهم أنّهم برهنوا أنهم اوفياء له!
ولكن المسألة لا تزال في مكان آخر. نجح ميشال عون في فرملة التدهور الدراماتيكي للحكومة، ومن خلفها عهده، وأقنع سعد الحريري بالتراجع ولو تكتياً عن قرار الاستقالة. اختار الرجل الهروب من "قدر" الخروج من نادي رؤساء الحكومات بفعل الشروط التعجيزية، للوقوف في منزلة بين منزلتين: لا هو مستقيل ولا هو "شغّال"... عسى الأيام المقبلة كفيلة بتحريره.
عملياً، نقل الحريري الطابة الى ملعب رئيس الجمهورية التي تلقفها سريعاً لخشيته على الاستقرار الداخلي، وطبعاً على استقرار عهده. لن يكون ميشال عون في أحسن حالاته اذا أصر الزعيم السني الأول على استقالته تحت عنوان عودة حزب الله الى لبنان، لأنه سيكون بمثابة سقف عال جداً لن يستطيع أي سني آخر من تجاوزه لتأليف حكومة بديلة اذا ما جلس زعيم تيار المستقبل في صفوف المعارضة.
أفضل الشرور بالنسبة لرئيس الجمهورية هو دفع الحريري الى الصمود. وهذا ما فعله. ولكن الى متى؟
ثمة من يعتبر أنّ ما فعله رئيس الحكومة ليس سوى شراء بعض الوقت من "سوق الحوار" علّ الطاولة المستديرة تخفف من وطأة الحملة السعودية، لكنه سيكون عاجلاً أم آجلاً مضطراً لمواجهة الواقع الضاغط.
بنظر هؤلاء، فعل التريث لا يعبّر أبداً عن ليونة أبدتها الرياض تحت وطأة الدفع الغربي للحفاظ على الاستقرار اللبناني، وهي ليست راضية أبداً عن هذا الخيار "الوسطي"، الذي بنظر عارفيها لا يقدّم ولا يؤخر نه لا يأثر في الجوهر، وهي ستطالب الحريري  قريباً بالإلتزام بأجدنتها. واذا لم تفعلها "الثلثاء"، ستفعلها حكماً "الخميس". 
ولكن بالنتيجة، وفق هؤلاء المتشائمين، لا يملك الرجل ترف الهروب، وسيكون ملزماً بمواجهة دفتر الشروط، في حين أنّ شركاءه الجدد، أي العهد، سيصعب عليهم تحصيل بعض المكاسب لمصلحته، كما يعد نفسه.
وهو لذلك سيعود مجدداً الى كتابة استقالته ليقود حكومة تصريف أعمال لا دور لها الا اجراء الانتخابات النيابية وفق قانون يعدّ مكسباً لـ"حزب الله" وحلفائه.
بالنسبة لهؤلاء، فإنّ التوفيق بين الأجندة السعودية التي تحمّل الحريري مسؤولية تراجع مشروع الممكلة في المنطقة، وتدفع به الى المواجهة نيابة عنها، وبين شرط النأي بالنفس أي تخلي "حزب الله" عن مشروعه الاقليمي، مهمة شبه مستحيلة، قد لا ترى النور أبداً. وبالتالي فإن كسب بعض الوقت من خلال "التريث" لا يبدل في الواقع المأزوم.
ولكن في المقلب الآخر، ثمة متفائلون في رسم المسار الحكومي الجديد. بالنسبة لهؤلاء فإنّ الحواجز التي رفعتها الدول الغربية وتحديداً واشنطن ستكون بمثابة سدّ منيع يحول دون تدهور الوضع الحكومي، بعدما وضعت الادارة الأميركية ضوابط حازمة للانقلاب السعودي. 
في حين أنّ التطورات الاقليمية الحاصلة، سواء لناحية اعلان انتهاء المعارك ضدّ "داعش" في العراق أو اعلان روسيا عن خفض حضورها العسكري في سوريا بنهاية العام، ستعطي طاولة الحوار بعض القدرة على تغيير قواعد التسوية الرئاسية بشكل يريح الحريري ويعيده الى قواعده سالماً.
يقول هؤلاء إن "تسوية التريث" ما ولدت الا لتكون معبراً لبقاء الحريري رئيساً للحكومة من دون أن تصيبه شظايا الاستقالة أو تصريف الأعمال. وسيكون بمقدور طاولة الحوار أن تحرره من "القيود الملكية" طالما أنّ المظلة الدولية فوق رأسه.
بنظرهم، الرجل لم يعد بأجندة محددة، وانما بالروحية ذاتها التي صاغ فيها التسوية الرئاسية. بما معناه أنّ السعودية حمّلته مسؤولية خياراته وهو الأدرى بكيفية تحقيقها. وهو لذلك ما زال متأملاً في احداث بعض التغيير.
وفق هؤلاء ثمة خطوات يمكن لـ"حزب الله" أن يقوم بها لتسهيل مهمة الحريري و"حمايته، ولا تعتبر تنازلاً في الجوهر لكنها تصون الاستقرار الداخلي وتشكل مخرجاً لائقاً للأزمة الحكومية. وهذه مهمة رئيس الجمهورية.

محلي

يلفت موقع "اخر الاخبار" انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره