براكين المحاور المشتعلة ولبنان

محلي
16-11-2017 |  11:13 AM
براكين المحاور المشتعلة ولبنان
750 views
Source:
-
|
+
النائب د. فريد الخازن

زحمة محاور متشابكة تجتاح المنطقة ومنھا لبنان. تداعيات الربيع العربي لم تكتمل فصو ً. وللسعودية "ربيعھا"، من اليمن الى قطر، وصو ً الى لبنان. في قطر أعلنت الرياض الحرب السياسية وفي اليمن الحرب العسكرية. وفي ك  الحالين المواجھة مع الخصوم أو ا عداء. أما في لبنان فالمواجھة مع الحليف ا قرب قبل ان تكون مع أي طرف آخر. في بيان استقالة الرئيس الحريري، اع ن حرب على ايران الراغبة في "تدمير" ا مة العربية. والسؤال كيف يمكن الرد على ايران، "وفي كل جزء من أجزاء أمتنا الغالية"، كما جاء في البيان، ف  يتحول لبنان ساحة لتصفية الحسابات. الجواب معلق الى حين عودة الرئيس الحريري الى لبنان، وإن جاء النأي بالنفس بحدود الممكن عن بيان ا ستقالة في المقابلة التلفزيونية .
في لبنان محاولة فصل بين حالتين: واحدة في الداخل وأخرى في الخارج. في الداخل جاءت تسوية الحكم  بعاد لبنان عن الصراعات ا قليمية. وخارج الب د، نزاعات دائرة شارك "حزب الله" في بعضھا، في سوريا تحديدا. ومع تفاقم ا شتباك المزدوج، السعودي - ا يراني وا ميركي - ا يراني، وقع الصدام. فاذا كان المقصود التصدي  يران، فساحات المنطقة متعددة ومفتوحة وقد تكون أكثر جدوى من زج لبنان في أزمة داخلية   تؤثر في المعاد ت ا قليمية المد ّولة. وإ  يكون المطلوب افتعال الفتنة وحالة من عدم ا ستقرار في لبنان،   تريدھا معظم الدول المعنية بأوضاع المنطقة .
سياسة النأي بالنفس سقطت مع استقالة الرئيس الحريري. والمطلوب نأي بنسخة جديدة غير واضحة المعالم والغايات، وبأدوات قد تتجاوز قدرات لبنان. النأي بالنفس مصطلح دخل السياسة اللبنانية حديثاً، إ ّ  انه يعكس واقعاً عمره من عمر ا ستق ل. محاو ت تحييد لبنان عن الصراعات ا قليمية انطلقت مع الميثاق الوطني في 1943 على قاعدة ال ءين،   للشرق )أي رفض ا ندماج في مشاريع الوحدة( و  للغرب )رفض ا نتداب الفرنسي(. وسلكت طريقھا في ظروف مغايرة في الخمسينات في زمن تقاطعت فيه ثنائية المحاور العربية مع الحرب الباردة، فانقسم العالم العربي ومعه لبنان. أزمة 1958 في لبنان عكست التجاذبات ا قليمية المتداخلة مع ا نقسام الداخلي .
في الستينات تراجعت حدة المحاور المرتبطة بالحرب الباردة وأصبحت المحاور ا قليمية فاصلة: حرب اليمن في الداخل وبين مصر والسعودية وصراع النفوذ والسلطة داخل حزب البعث الحاكم في سوريا والعراق، وبين البعث وعبد الناصر. استطاع الرئيس شھاب ان يُبعد الب د عن ھذه الصراعات وأقام ع قات وثيقة مع الرئيس المصري لكن من غير ان يكون لبنان في موقع مناھض للغرب . ظل لبنان خارج المحاور ا قليمية الى ان اجتاح محور النزاع العربي - ا سرائيلي العالم العربي بالضربة القاضية. حرب 1967 قلبت المعاد ت رأسا على عقب، ولم يعد با مكان فصل لبنان عن الواقع ا قليمي المأزوم بعد الھزيمة المدوية. خ ل سنوات الحرب تك ّرست وظيفة لبنان الساحة الم ئمة  طراف الداخل والخارج. انتھت الحرب بعد خمسة عشر عاماً بـ"تحييد" الدولة عن القرار السيادي بغطاء اقليمي ودولي، وبات لبنان في قبضة المحور السوري، الى ان سقطت المعادلة في ابعادھا الداخلية والخارجية في 2005 .
في مراحل سابقة كانت المحاور المتقابلة "متجانسة" في ظروفھا وغاياتھا والنزاعات مح ّددة ومحدودة. أما اليوم فالبراكين مشتعلة في كل مكان، داخل ا نظمة وفي ما بينھا، في الدين والدنيا وفي المنطقة وخارجھا. حالة غير مسبوقة في نظام اقليمي عربي مأزوم واشتباك يبدأ بالعصبيات المحلية و  ينتھي مع اتفاق فيينا النووي. في الماضي شكل الموقف من العروبة والنزاع العربي - ا سرائيلي محوراً ناظماً للصراعات ا قليمية المتداخلة مع محوري الحرب الباردة. اما اليوم فالمحاور متضاربة واسرائيل ليست غائبة عنھا. الى حين استقالة الرئيس الحريري، كانت ثمة ارادة لدى القوى السياسية لتحييد لبنان عن الميدان مع ربط نزاع داخلي حدوده ا ستقرار. تبدل المشھد اليوم، فالعروبة تقاس بحسب الموقف من ايران والنزاع العربي - ا سرائيلي تحول اداة تجاذب يعكس ا نقسامات في فلسطين وخارجھا. وعندما تصل المحاور الى دول مجلس التعاون الخليجي، يتعطل القياس .
محاور اليوم مشتتة في الداخل ومع الخارج. فبعد تجوال اقليمي، جاء دور لبنان في ظل ا وضاع الداخلية غير المسبوقة في السعودية. الصراع على السلطة في المملكة يُستكمل صراعا على السلطة في المنطقة. ا  ان تحويل لبنان ساحة تتقاطع فيھا الصراعات   يبدل موازين القوى في النزاعات الدائرة في المنطقة، فلكل حالة مسارھا الداخلي وا قليمي والدولي. اما وظيفة لبنان الساحة لمن يھمه ا مر، على قاعدة المردود ا يجابي لمريديھا، فتعود الى زمن مضى في المحيط ا قليمي ولبنان .

محلي

يلفت موقع "اخر الاخبار" انه غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه أو مصدره